يعد العقلُ محركًا للإبداع؛ فهو الذي يمده بصنع العلاقات بين الأشياء والربط أيضًا بينها، وذلك عبر إدراكها والربط بين علاقاتها، وفي الشعر فإن العقل وسيلة الشاعر مع القلب في صياغة الشعر، ولكن أحيانًا يكون الجنون هو المحفز الأكبر للإبداع، وهذا ما سيعكسه شعر(سعدون) في البحث؛ حيث جعله الجنون مبدعًا في أغراض الشعر تمامًا كغيره من الشعراء، وجاء الجنون مكتنفًا لصورة متفردة رأى الشاعر عليها بعض الأمور فانعكست العقلانية بقوة في مرآة شعره لما أنتجته قريحته الشعرية من تفرد بنظرة ثاقبة لها، وكان (سعدون) من القلائل من مجانين الشعراء الذين تنوع شعرهم بين الوصف والزهد والحب الإلهي وأيضًا الشكوى والعتاب لزمان مجحف وأناس ارتضوا بالدنيا عن الآخرة، لذا كان شعره هو الكاشف عن عقلانية لديه كانت تكتنفها طبقاتُ الجنون، ولكن حين يُميطُ أحدٌ اللثام عنها يجدها ظاهرة جلية، والبحث هذا محاولة لسبر أغوار الجنون وكشف بنيته اللغوية والمنهجية، وهل كان الجنون عقبة في طريق الإبداع أم سببًا له أحيانًا؟ وبم اتصف شعر المجانين؟ وهل يمكن لهم اللحاق بركاب العقلاء من ذويهم؟ وكيف كان الجنون وكيف تشكلت العقلانية عبره في ثوبين: ذاتي وموضوعي، وهذا ما يعمل البحثُ على إيضاحه وإخراجه قدرَ الإمكان.